خطوة إلى الأمام
لم يُخْفِ المعلم – عبد المطلب – غرابة ما يسمع من هذا الضيف الجديد الذي يسمونه – المشرف ! ذلك أنه تعود أن يسمع ممن سبقه نظريات لا علاقة لها أحيانًا بواقع التعليم الذي يعيشه منذ دخل المدرسة أول مرة !! لكنَّ النبرة الهادئة ، والنظرات المطمئنة ، والإشارات الجسدية الهادفة المدروسة المعبرة ، كل ذلك يؤكد أن هذا الضيف يعني ما يقول ! ... إنه لم يطلب دفاتر التخطيط الفني للدروس ، لكنه أدار نقاشًا حول كيفية التخطيط الفني للدروس ، وبصورة جماعية ، وكأنه يحاول أن يبني خبرة مشتركة ، بين جموع الزملاء ، وفي كل التخصصات ، حول أفضل سبل التخطيط الفني ، وفي كل حصة .
لم يُبدِ رأيًا , بل كثيرًا ما كان يسوّف حين يطلبون رأيه ! بل أشار على أصحاب الآراء أن يجربوها ، ويعطوه النتائج . وليناقشوا زملاءهم في النتائج التي يتوصلون إليها ، وعسى أن يكون في نجاحها خطوة إلى الأمام ، حين تثبت جدارتها ، وجدواها . ونصح بعض الزملاء الجدد بالتعاون التام مع زملائهم الخبراء ، إلى حد الإخاء ، بل التوأمة . وليلازمه في كل صغيرة أو كبيرة من أعمال التعليم ، داخل المدرسة أو خارجها ، حتى تصبح خبرتهم ، وآراؤهم متقاربة إلى حد التطابق فيختصر الزمن .
وزاد استغراب المعلم – عبد المطلب - حين سمعه يستشير بعض الزملاء في زيارة صفية – إنْ رغب ؟ - ، وحين اعتذر الزميل ، لم يره متبرمًا ! ولم يلحظ أنه مارس سلطة في فرض الزيارة ، بل راح – عبد المطلب – يردد مبهورًا : إنْ رغبت في المرة القادمة ، أو في حصة متأخرة - . لقد دار في خلده أن هذا الضيف الجديد ، والذي يسمونه المشرف التربوي ، إمّا .... وإمّا ..... بل صارح أحد الزملاء ، لكنه زجره ، وقال : لعل هذا نموذج الإشراف الجديد ، الذي يعمل على السير خطوة إلى الأمام ! ... لكن فكرة نصف الكأس الفارغ ظلت تدور في خلد المعلم – عبد المطلب - !
في الفسحة الأولى جمعتهم مائدة الإفطار ، جلس المشرف بينهم ، وأخذ كأسًا من الشاي يرشفه على مهل ، ويحادثهم ، مستفسرًا عن تفاصيل التخطيط اليومي لأية حصة . كيف تصاغ الأهداف السلوكية الإجرائية ؟ وكيف نميز بين الهدف المميز ، والهدف غير المميز ؟ أو غير المقبول ؟ والهدف العام ، والهدف الخاص ؟ وما العلاقة بين الهدف والمادة العلمية ؟ وما الفوارق بين الأهداف العامة والأهداف السلوكية الإجرائية ؟
وتباينت إجابات الزملاء ، واتفقت أحيانًا ! وبدا لمعان العيون التي تجد موافقة ، وجحظت حين لم تجدها ! وهدأت الأصوات مرة ، وتعالت مرات ، وصخب الجمع مرة ، واستكانوا مرة ، وتوافقوا ، واختلفوا ، حتى نسوا أن هناك ضيفًا بينهم ، وشعر الجميع أنهم إخوة في مجال واحد ، وأنهم رأوا آراء كثيرة في جلسة الإفطار التي سادها حوار جاد ، هادف ! نظر جميعهم في وجوههم ، والصمت يلفهم والإعجاب بهذه الجلسة التي كانت أملاً يترقرق ، والتي حققت كثيرًا من طموحاته في النقاش ، واللقاءات المرجوة ، إلى أن قطع هذا قول المشرف الجديد : من يقبلني ضيفًا في الحصة القادمة ؟
كبش فداء قدم نفسه ! ورحب بكلمات فاترة ، باهتة : أهلاً بك ضيفًا ، وصاحب بيت ! نتشرف بزيارتك يا أخانا العزيز ! طأطأ رأسه ، واحمرَّ وجهه خجلاً ، وحمل حقيبته ، ورافقه يدًا بيد .
ما أسرع أن قابلهما عبد المطلب على باب الحجرة ، وما زالت كثيرة تلك العبارات الشذية في أذنيه حول الأهداف السلوكية الإجرائية . حرارة الصدق والإخلاص ما زالت تلف كلمات هذا الضيف . في حوار هادئ مع الأخ الذي قبله ضيفًا في حصته ! حتى لا يشك أحد أنهما زميلان يبحثان أمرًا يهمهما معًا ، وسيصلان إلى مبتغاهما يقينًا !
فارت في قلب عبد المطلب أفكار وأفكار ، لِمَ لا يطلب هذا المشرف دفاتر التخطيط كما فعل الآخرون ؟ ولمْ ينَصِب من نفسه محاضرًا فيهم ؟ ولمْ يفرض رأيه في أية قضية ، أو أي موقف ؟ ولم يعرض أفكارًا نظرية غير قابلة للتحقيق إلا على أوراق التعميمات التي أثقلت كواهلنا ! لِمَ كانت عيون المعلمين تتعلق بهذا الضيف الجديد ؟ ولم يفرض عليهم رأيًا ، بل استمع كلَّ آرائهم . حتى جاءت الفسحة الثانية . وبدا المعلمون فيها أكثر جرأة في عرض أفكارهم ، ومقترحاتهم ، وتجاربهم التي كانت تلاقي النجاح مرة ، وتجانبه مرة . وبرقت عيونهم تحت زخات من عبارات التشجيع ، وإعادة التجربة ، وتعديل الأخرى , وتسجيل النتائج ، وحوار الزملاء المستمر ....
جحظت العيون حين أعلن الضيف أنه لن يكتب تقريرًا عن هذه الزيارة ، سوى إثباتها في جدول الزيارات الرسمي ، وأن مهمته ليست كتابة التقارير ، بل الوصول بالزملاء إلى مرحلة أن يخطو كل منهم خطوة إلى الأمام ! وأنَّ المعلم جوهرة ، ويحب أن يرى هذه الجوهرة لامعة متلألئة دائمًا .
عبّر لهم الضيف عن أمله في أن تكون الحوارات في الزيارة القادمة حول الأنشطة التعليمية التي تحقق الأهداف السلوكية الإجرائية ، وأن تكون مشاركاتهم من الميدان ، وتحمل بصماتهم ، وتجاربهم التي نفذوها في حجرات التعليم ، ومع طلابهم .... ثم ودعهم ، وغاب خلف أسوار المدرسة ، يحمل معه صورة ذهنية عن كل الزملاء ، مصمّمًا أن تكون زاهية لامعة ، مشرقة ، تنبئ بمستقبل طيب للأمة كلها ! والله من وراء القصد .
احصائيات
أعضاؤنا قدموا 2501 مساهمة في هذا المنتدى في 570 موضوع
هذا المنتدى يتوفر على 42 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو hamada فمرحباً به.
بحـث
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
21/9/2011, 10:10 am من طرف abu-majdi
» أصعب ابتسامة
13/2/2011, 8:58 pm من طرف Dr.Aminbahily
» أل22% من فلسطين
13/2/2011, 8:46 pm من طرف Dr.Aminbahily
» جرح اللسان ما اقساه {{ قصة قصيرة }}
23/1/2011, 2:16 pm من طرف aliaa abustaiteh
» انظروا كيف أصح حالنا
23/1/2011, 10:28 am من طرف aliaastaiteh
» أي من الجمل التالية تؤلمك
22/1/2011, 3:19 pm من طرف aliaastaiteh
» قل لي ....
20/10/2010, 6:23 am من طرف مدير الموقع
» أجمل لحظات عمرك
5/6/2010, 9:59 pm من طرف زهرة المدائن
» ثلاثة أشياء
5/6/2010, 9:34 pm من طرف زهرة المدائن
» هل رأيت أثر التسبيح عليك ؟
5/6/2010, 9:24 pm من طرف زهرة المدائن
» اقرأ هذا الدعاء وان شاء الله سوف ييسر الله امرك
5/6/2010, 9:18 pm من طرف زهرة المدائن
» لكي الفخر بانك انثى
14/5/2010, 1:59 pm من طرف فيروز
» فوائد الموز
14/5/2010, 11:57 am من طرف زهرة المدائن
» انالا اطلب شفقة
23/4/2010, 5:07 pm من طرف عائشة استيتي
» مولود جديد
6/4/2010, 6:24 pm من طرف عائشة استيتي